في عالم الدراما التلفزيونية، يبرز نوع خاص من السرد يبتعد عن الحبكات الطويلة والقصص الممتدة على عدة مواسم، إنه عالم المسلسلات الأنثولوجية (Anthology series) الذي يقوم على مبدأ تقديم قصة مكتملة في كل حلقة أو موسم، حيث يجد المشاهد نفسه في تجربة جديدة مع بداية كل عرض، من دون الحاجة إلى متابعة متسلسلة أو الالتزام بخط درامي واحد.
تتسم المسلسلات الأنثولوجية بقدرتها على التنقل بين عوالم متعددة، فقد تأخذنا في موسم إلى محكمة تتابع تفاصيل قضية جنائية أمريكية، ثم تعود في موسم آخر لتفتح أبواب الرعب على مصراعيه، أو تقدم لنا حلقات قصيرة تلامس الخيال العلمي والظواهر الخارقة، أو حتى قصصًا نفسية عميقة تكشف صراعات الإنسان الداخلية، لتصبح بمثابة مكتبة درامية مليئة بالتنوع والدهشة.
لذلك ندعوكم إلى مرافقتنا عبر هذا التقرير للتعرف على أفضل 10 مسلسلات أنثولوجية Anthology series تستحق المشاهدة.
مسلسلات أنثولوجية…مسلسلات كل حلقة أو موسم يحتوي على قصة جديدة:
1. قصة جريمة أمريكية – American Crime Story – 2016
تأتي هذه السلسلة الأنثولوجية بصيغة موسمية تعيد إحياء أبرز القضايا الجنائية التي تركت أثرًا عميقًا في الذاكرة الأمريكية، حيث لا تكتفي بمجرد استعادة الجرائم، بل تفتح أبوابًا واسعة على ما أحاط بها من سياقات اجتماعية وسياسية ونفسية، لتقدم معالجة تتجاوز الطابع الجنائي التقليدي.
كل موسم يقف قائمًا بذاته، مستعرضًا قضية مختلفة بذات العمق والالتزام، مثل محاكمة أو. جي. سيمبسون التي هزت الإعلام الأمريكي، أو حادث اغتيال مصمم الأزياء العالمي جياني فيرساتشي، ليجعل المشاهد أمام عمل درامي مشوق لا يكتفي بسرد الوقائع، بل يحللها ويعيد قراءتها بعيون معاصرة.
السلسلة مبنية على أحداث حقيقية وموثقة، مما يضفي عليها مصداقية نادرة في هذا النوع الدرامي، فهي تجسد شخصيات الضحايا والمتهمين والمحامين بواقعية مكثفة، وتضع الجمهور أمام مرآة صادقة تكشف أبعاد العدالة والإعلام والرأي العام، ليصبح كل موسم تجربة فكرية وعاطفية مكتملة الأركان.
2. صرخة الرعب – Goosebumps – 1995
تعتبر هذه السلسلة الأنثولوجية الحلقية من أبرز الأعمال الكلاسيكية الموجهة إلى الفئة العائلية، حيث تنطلق من عالم مؤلفات الكاتب آر. إل. ستاين لتمنح الأطفال والمراهقين جرعات من الرعب الخيالي، فتتحول كل حلقة إلى مغامرة جديدة ومختلفة، قائمة بذاتها ومشبعة بأجواء التشويق والإثارة المناسبة لخيال الصغار.
تتنوع القصص بين الدمى التي تنبض بالحياة فجأة، أو الانتقال إلى عوالم زمنية غريبة، أو اكتشاف أسرار مريبة في أحياء تبدو هادئة، لتخلق مزيجًا من الرعب الطفولي والدهشة، مع إبقاء مستوى الخوف في حدود تتيح مشاركة المشاهدة بين الصغار والكبار دون ابتعاد عن الجو العائلي الآمن.
هذا التنوع في البناء جعل المسلسل بوابة أولى لجمهور الشباب نحو عالم الرعب والخوارق، إذ لم يعتمد على خط درامي متواصل، بل على حلقات منفصلة تشكل مكتبة مصغرة من الحكايات، فغدا أيقونة أنثولوجية يتذكرها من عاش تلك التجربة الفريدة في تسعينيات القرن الماضي.
نرشح: أفضل 10 مسلسلات رعب قصيرة يمكنك إنهائها في جلسة
3. داخل رقم 9 – Inside No. 9 – 2014
يُصنّف هذا العمل البريطاني كأحد أكثر المسلسلات الأنثولوجية تميزًا بفضل طابعه الحَلقي المبتكر، حيث يقدّم في كل حلقة قصة مستقلة تحمل نكهة الكوميديا السوداء ممزوجة بالإثارة والدراما، بينما يبقى الرابط الوحيد بين تلك الحكايات هو المكان الذي يحمل الرقم 9، فيتحول الرقم إلى خيط رمزي يجمع التجارب.
سواء دارت الأحداث داخل شقة متواضعة، أو فندق فخم، أو حتى كواليس مسرح، فإن الحلقات دائمًا ما تنسج عوالم مضغوطة زمنياً ومكانيًا، تبرز هشاشة العلاقات الإنسانية وتعقيداتها، بينما تتطور الحكايات ببطء محسوب نحو نهايات غير متوقعة، تباغت المشاهد وتترك أثرًا طويل الأمد.
المسلسل نتاج خيال أصيل وجرأة سردية استثنائية، فهو يختبر حدود الدراما حين تُفرض عليها قيود المكان، ويبرع في تصوير الجشع والخيانة والجنون والهوية المزدوجة، لتتشابك عناصر الدراما مع الكوميديا القاتمة في عمل يرسّخ مكانته كأحد أنجح النماذج الأنثولوجية المعاصرة.
4. يقدم ألفريد هيتشكوك – Alfred Hitchcock Presents – 1955
يمثل هذا العمل محطة محورية في تاريخ الدراما الأنثولوجية، فقد جمع بين أسلوب المخرج الأسطوري ألفريد هيتشكوك وبصمته المميزة في التشويق، إذ يطل هيتشكوك بنفسه في مقدمة كل حلقة وخاتمتها مع تعليقات ساخرة ذات طابع مظلم، لتُهيئ المشاهد لأجواء الحكاية القصيرة المكثفة.
تدور الحلقات حول شخصيات عادية تجد نفسها أمام مواقف غير متوقعة، حيث تُجبر على اتخاذ قرارات حاسمة أو تُلقى في ظروف لا سلطة لها عليها، ويظل القاسم المشترك هو تصاعد التوتر التدريجي وصولًا إلى نهاية صادمة أو مفارقة، فيكشف العمل جوانب خفية من النفس البشرية ودوافعها الملتبسة.
ما يميز السلسلة أنها اعتمدت على قصص قصيرة متنوعة لعدد من المؤلفين، لكنها صيغت جميعها بروح إخراجية واحدة طبعت الحلقات بالتماسك، فغدت نموذجًا للأنتولوجيا الكلاسيكية التي مزجت بين الغموض والجريمة والإثارة النفسية، وحولت الشاشة الصغيرة إلى مختبر حي للفكر والمتعة معًا.
نرشح: أفضل 30 من مسلسلات الغموض والجريمة على الإطلاق
5. مهرجان الرعب – Creepshow – 2019
يمثل هذا المسلسل الأنثولوجي إعادة إحياء عصرية لفيلم الرعب الكلاسيكي الشهير لعام 1982 الذي استلهم بدوره من قصص الرعب المصورة، حيث يعتمد العمل على صيغة الحلقات القصيرة المتعددة، إذ تضم كل حلقة أكثر من قصة مكتملة توازن بين التشويق الدموي والكوميديا السوداء، في إطار بصري متفرد يحاكي رسوم المجلات المصورة.
تتنوع الموضوعات بين كائنات مرعبة خارقة، وأشباح تسعى للانتقام، وأبطال شريرين يلقون جزاءهم بشكل صادم، وهو ما يخلق عالمًا يعج بالعنف المبالغ فيه لكنه لا يخلو من السخرية اللاذعة، ليقدم للمشاهد جرعة من الرعب الممزوج بالفكاهة القاتمة، موجهة بالأساس إلى جمهور بالغ يتذوق هذا النوع من الترفيه.
ولعل أبرز ما يميز “مهرجان الرعب” هو اعتماده على أسلوب بصري يجسر بين التلفزيون والكوميك، إذ تُستخدم الرسوم المتحركة والمؤثرات الخاصة لتغدو الشاشة وكأنها صفحات كتاب ينبض بالحياة، وهكذا يثبت العمل أن الأنثولوجيا لا تُعيد تقديم الحكايات فحسب، بل تبتكر في الشكل والروح لتبقى حاضرة عبر الأجيال.
نرشح: أفضل 10 مسلسلات رعب على Netflix
6. قناة صفر – Channel Zero – 2016
تأتي هذه السلسلة الموسمية لتمنح الأنثولوجيا وجهًا جديدًا، فهي تستند إلى حكايات “كريبيباستا” التي انتشرت عبر الإنترنت كقصص رعب حضرية غامضة، وتحوّلها إلى سرد تلفزيوني متكامل، حيث يقدم كل موسم قصة مكتملة تستوحي أسطورة رقمية مرعبة، فتجسدها بأبعاد نفسية وخيالية تترك أثرًا طويلًا في ذهن المشاهد.
تتنوع المواسم بين أسطورة درج رخامي يقود إلى عالم تسكنه كائنات مفترسة، أو مدينة تختفي فيها العائلات في ظروف غامضة، وتظل القواسم المشتركة هي الغوص في الرعب النفسي، واستعمال الوحوش والخوارق كرموز للقلق والصدمات المكبوتة داخل الأفراد والمجتمعات، وهو ما يمنح العمل عمقًا يتجاوز مجرد بث الرعب.
ومع اختلاف القصص من موسم لآخر، يظل “قناة صفر” وفيًا لجو من الظلمة والقلق المتصاعد، ليبرهن أن الأنثولوجيا قادرة على احتواء الأساطير الرقمية الحديثة وإعادة صياغتها بلغة تلفزيونية مبتكرة، تجمع بين رعب داخلي يعكس هشاشة الإنسان، ورعب خارجي يستحضر المجهول الكامن خلف شاشات الإنترنت.
7. العودة للوطن – Homecoming – 2018
تُقدَّم هذه السلسلة الأنثولوجية الموسمية بصيغة مشوقة تقوم على الغموض النفسي، وهي مقتبسة في الأصل من بودكاست صوتي شهير، تدور أحداث الموسم الأول داخل منشأة سرية تسمى “العودة للوطن”، حيث تعمل موظفة اجتماعية على مساعدة الجنود العائدين من الحرب في إعادة الاندماج بالمجتمع عبر برنامج إعادة تأهيل غامض ومثير للشكوك.
مع تتابع الأحداث تبدأ الموظفة والجنود في إدراك أن ما يجري ليس مجرد علاج نفسي أو اجتماعي، بل عملية أعمق تتعلق بالتحكم في الذكريات وإعادة تشكيل الوعي، وهو ما يفتح بابًا واسعًا أمام نظريات المؤامرة والممارسات الحكومية السرية، لتصبح القصة ساحة صراع بين الذاكرة الفردية والسلطة المؤسسية.
يميز السلسلة أن كل موسم يحمل قصة مختلفة وشخصيات جديدة، إلا أن الجو العام من الغموض النفسي والشكوك المستمرة يظل الرابط الأساسي، مما يجعل “العودة للوطن” مثالًا بارزًا للأنثولوجيا التي توظف البنية الموسمية لاستكشاف أبعاد متعددة من الوعي البشري وتجارب الصدمات.
نرشح: أفضل 10 من مسلسلات البقاء على قيد الحياة
8. المستوى السري – Secret Level – 2024
تمثل هذه السلسلة الأنثولوجية الحلقية إضافة معاصرة لعالم الرسوم المتحركة الموجهة للبالغين، إذ تطرح قصصًا مستقلة تقع بالكامل داخل أشهر عوالم ألعاب الفيديو، في كل حلقة تُبنى قصة جديدة قائمة بذاتها، تستلهم بيئة فريدة من ألعاب أيقونية مثل “Dungeons & Dragons” و”Warhammer 40,000″ و”PAC-MAN”.
يمتزج في الحلقات الأكشن الحركي مع المغامرات المليئة بالتفاصيل، ويُستثمر أسلوب بصري متغير يتبدل من حلقة إلى أخرى ليحاكي طبيعة اللعبة التي تستند إليها القصة، وهو ما يمنح العمل طابعًا متجددًا يجمع بين قوة السرد وتنوع التجربة البصرية، فيتحول المشاهد إلى لاعب يعيش تفاصيل عالم خيالي نابض بالحياة.
ما يجعل “المستوى السري” أكثر فرادة أنه لا يكتفي بإعادة تقديم العوالم الرقمية، بل يحتفي بها في إطار أنثولوجي يجمع بين الإبداع الفني والثقافة الشعبية للألعاب، ليصبح العمل بمثابة جسر بين التلفزيون والتجربة التفاعلية، واحتفال معاصر بالثقافة الرقمية التي صنعت ذاكرة جيل كامل.
9. منطقة الشفق – The Twilight Zone – 2019
يشكّل هذا العمل إحياءً معاصرًا لإحدى أكثر السلاسل الكلاسيكية تأثيرًا، إذ يحافظ على الطابع الأنثولوجي الحلقي الذي يقوم على تقديم قصة جديدة في كل حلقة، حيث تنطلق الأحداث من مواقف عادية لشخصيات مألوفة، قبل أن تنقلب فجأة إلى عوالم غريبة تتحدى المنطق وتكشف جوانب مظلمة في النفس البشرية.
تستفيد الحلقات من عناصر الخيال العلمي والرعب والخيال الخارق لتقديم استعارات درامية كثيفة، فالأبطال غالبًا ما يجدون أنفسهم أمام قرارات مستحيلة أو حقائق تتلاشى أمام أعينهم، وهو ما يضع المشاهد في مواجهة أسئلة فلسفية حول الحرية والهوية والعدالة، مستخدمًا الحكاية القصيرة كأداة تأملية بقدر ما هي ترفيهية.
العمل مستوحى مباشرة من السلسلة الأصلية التي ظهرت عام 1959، إلا أنه يضفي لمسة عصرية على القضايا التي يطرحها، فيدمج الهموم الراهنة مع الشكل الكلاسيكي، ليظل “منطقة الشفق” نموذجًا أنثولوجيًا خالدًا يؤكد أن كل حلقة يمكن أن تكون مرآة لزمنها وصوتًا يسائل واقعها.
نرشح: أفضل 20 من مسلسلات الخيال العلمي على الإطلاق
10. الرعب – The Terror – 2018
تُعد هذه السلسلة مثالًا بارزًا على الأنثولوجيا الموسمية التي تمزج بين الرعب والدراما التاريخية، حيث يقدّم كل موسم قصة جديدة مبنية على أحداث واقعية أو روايات مستوحاة من التاريخ، في موسمها الأول تعود الحكاية إلى عام 1847 لتتبع بعثة استكشافية بريطانية تسعى لعبور الممر الشمالي الغربي وسط ظروف قطبية قاسية.
تجد أطقم السفينتين نفسيهما محاصرين وسط الجليد، في مواجهة البرد القارس والجوع واليأس، لتتفاقم المأساة مع ظهور كائن غامض من الفولكلور المحلي يتعقبهم في الظلام، وهكذا يتحول الصراع إلى مواجهة مزدوجة مع الطبيعة والماورائيات، في قصة تتأرجح بين البقاء والجنون والخوف.
يمتاز العمل بقدرة نادرة على دمج التفاصيل التاريخية الدقيقة مع عناصر الرعب الخيالي، فهو يخلق تجربة متكاملة تستكشف حدود الإنسان في مواجهة الموت والبرد والوحدة، ومع كل موسم جديد يبقى “الرعب” وفياً لجوهر الأنثولوجيا التي تمنح
الجمهور قصصًا مستقلة، يجمعها خيط البحث عن النجاة في أحلك الظروف.
نرشح: 50 هم أفضل المسلسلات الأجنبية على الإطلاق









