في فضاء السينما الإيطالية، حيث تتناثر رائحة القهوة مع نغمات الأكورديون وتختلط الأزقة القديمة بألوان البحر المتوسط، تولد الحكايات العاطفية كأغانٍ لا تُنسى. الأفلام الإيطالية الرومانسية ليست مجرد سرد لقصص حب عابرة، بل هي لوحات متوهجة تُرسم بالضوء والظل، وتنسج من التفاصيل الصغيرة معنى أكبر من الحياة نفسها، هناك في توسكانا أو البندقية أو روما، يصبح الحب بطلاً متخفيًا في لقاء مصادف، أو قرار جريء، أو حتى في لحظة صمت تتحدث أكثر مما تفعل الكلمات.
ولعل ما يميز الأفلام الرومانسية الإيطالية أيضاً أنها لا تمنحك عاطفة معلبة، بل تفتح أبواب القلب على أوسعها، فتجعلك تعيش التناقض بين الخيبة والرجاء، وبين الفقد والبعث، وبين الغربة والحنين، وهكذا تتحول الشاشة إلى مرآة للروح، وتغدو كل قصة رحلة في البحث عن الحب كقوة مخلصة من الوحدة والخذلان.
وفي السطور القادمة سنرافقكم في جولة عبر عشرة أفلام إيطالية رومانسية خالدة رسمت ملامح هذا الفن، وجعلت من هذه السينما العريقة لغةً للحب تتجاوز الحدود والزمان.
أفضل أفلام إيطالية رومانسية: رحلة في سحر الحب على الطريقة الإيطالية
1. تحت شمس توسكانا – Under the Tuscan Sun
أخرجت المخرجة الأمريكية أودري ويلز عام 2003 فيلماً يجمع بين الدراما والكوميديا والرومانسية، مقتبساً من مذكرات الكاتبة فرانسيس مايز، وقد أدت البطولة ديان لاين إلى جانب ساندرا أوه وراؤول بوفا، مقدمةً عملاً يتأرجح بين واقعية التجربة الإنسانية وخفة السرد السينمائي.
تدور القصة حول كاتبة تمر بانهيار عاطفي بعد طلاقها، فتقرر بشكل مفاجئ شراء فيلا قديمة في قلب توسكانا، وهناك تبدأ رحلتها غير المتوقعة في مواجهة نفسها وإعادة ترتيب حياتها، بينما يرافقها في هذه المغامرة عمال مهاجرون وجيران إيطاليون يقدمون لها العون ويضفون ألواناً جديدة على يومياتها.
ومع كل حجر يُرمم وجدار يُعاد بناؤه، تعيد البطلة صياغة ذاتها وتكتشف أن الحب ليس محصوراً في العلاقة العاطفية وحدها، بل قد يتجلى في صداقة صادقة أو بداية ناصعة أو حتى في لحظة رضا داخلية، ليغدو البيت رمزاً لإمكانية النهوض من الركام والبدء من جديد.
2. المغامرة – L’avventura
صدر هذا الفيلم عام 1960 بتوقيع المخرج الإيطالي مايكل أنجلو أنطونيوني، وقام ببطولته غابرييل فيرزيتي ومونيكا فيتي وليا ماساري، وقد عُرف العمل بجرأته الأسلوبية واعتماده على بناء بصري مبتكر، الأمر الذي جعله يحصد جائزة لجنة التحكيم في مهرجان كان السينمائي.
تبدأ القصة برحلة بحرية لمجموعة من الأثرياء في البحر المتوسط، لكن الهدوء ينكسر فجأة حين تختفي الشابة آنا أثناء توقفهم في جزيرة بركانية منعزلة، ليبدأ حبيبها ساندرو وصديقتها كلوديا رحلة بحث متوترة، غير أن غيابها يتراجع تدريجياً أمام انجذاب متنامٍ بين الاثنين، فيتحول مسار السرد من لغز الاختفاء إلى تعرية العلاقات البشرية.
الفيلم يكشف عن خواء عاطفي يطغى على شخصياته، ويعكس شعوراً بالاغتراب والضياع وسط طبقة مرفهة تبحث عن معنى لحياتها، فيصبح العمل ليس مجرد قصة رومانسية بل دراسة نفسية بصرية ترصد هشاشة الروابط الإنسانية وقلق الوجود، وهو ما جعله علامة بارزة وسط أفضل أفلام الرومانسية الإيطالية.
نرشح: أفضل 20 من أفلام الدراما الرومانسية على الإطلاق
3. أفضل ما في الشباب – The Best of Youth
فيلم إيطالي رومانسي ملحمي واسع النطاق لعام 2003 قدمه المخرج ماركو توليو جيوردانا، وشارك في بطولته لويجي لو كاسيو وأليسيو بوني وسونيا بيرغاماسكو، وقد استقى عنوانه من قصيدة للشاعر الإيطالي بيير باولو بازوليني، ليغدو العمل شهادة بصرية على تحولات مجتمع كامل.
تدور القصة حول شقيقين هما نيكولا وماتيو، اللذان يشتركان في الطموحات بدايةً، لكن لقاؤهما بفتاة تعاني اضطرابات نفسية يغير مصيرهما، فيسلك نيكولا طريق الطب النفسي بينما ينخرط ماتيو في سلك الشرطة بعد أن يهجر دراسته، ليتباعد مسارهما تدريجياً رغم الروابط العائلية.
يمتزج السرد الشخصي بالأحداث الكبرى التي هزت إيطاليا، بدءاً من فيضانات فلورنسا وصولاً إلى مواجهة المافيا في صقلية وصعود الحركات العمالية في تورينو، وبذلك يصبح الفيلم رحلة جيل بأكمله، يكافح بين الآمال والخيبات، باحثاً عن معنى للحب والانتماء والحرية وسط عالم سريع التغير.
4. عواقب الحب – The Consequences of Love
قدّم المخرج باولو سورينتينو عام 2004 فيلماً مختلفاً عن المألوف، مزج فيه بين الرومانسية والإثارة النفسية، وأسند البطولة إلى توني سيرفيلو وأوليفيا ماغناني وأدريانو جيانيني، ليصوغ حكاية تتسم بالغموض والعمق.
تتمحور القصة حول رجل يُدعى تيتا دي جيرولامو، يعيش منذ ثمانية أعوام في فندق فاخر بسويسرا، ملتزماً بروتين صارم يجنبه أي تواصل بشري، وكأن حياته محكومة بالصمت والعزلة، غير أن لقاءه بصوفيا، نادلة الفندق، يفتح فجوة في جداره الداخلي ويكشف جانباً إنسانياً طالما حاول إخفاءه.
ومع تطور مشاعره تجاهها، ينكشف تدريجياً سبب انعزاله، إذ يرتبط ماضيه بالمافيا الإيطالية التي كبّلته بالسرية والوحدة، لتتحول القصة إلى صراع بين الحب كقوة محررة والقيود التي فرضها الماضي، مما يقود الأحداث نحو تصاعد مشحون بالتوتر والخطر.
نرشح: 10 مسلسلات أجنبية رومانسية تستحق المشاهدة ولو لمرة واحدة
5. خبز وزهور التوليب – Bread and Tulips
أخرج سيلفيو سولديني عام 2000 فيلماً رومانسياً كوميدياً ناعماً الطابع، شارك فيه ليسيا ماغليتا وبرونو غانز وجوزيبي باتيستون ومارينا ماسيروني، وقد لاقى العمل إشادة واسعة بفضل أسلوبه البسيط والعميق في آن واحد.
القصة تدور حول روزالبا بارليتا، ربة منزل تشعر بالإهمال، إذ تُترك صدفة في محطة حافلات أثناء رحلة عائلية، فتقرر التمرد على حياتها الروتينية، وتتجه عوضاً عن العودة إلى بيتها إلى مدينة البندقية، حيث تنطلق في مغامرة جديدة تغير مصيرها كلياً.
هناك تجد وظيفة في متجر زهور، وتستأجر غرفة عند فيرناندو جيراسولي، نادل مطعم آيسلندي الأصل يتحدث الإيطالية بنبرة شاعرية، ومع الوقت تنشأ بينهما صداقة دافئة تفتح لها أبواب الحرية، بينما يحاول زوجها استرجاعها بأسلوب عبثي يوظف فيه سباكاً بدلاً من محقق خاص لتعقبها.
نرشح: أفضل 30 فيلم رومانسي كوميدي أجنبي على الإطلاق
6. أربع أنصاف – Four to Dinner
فيلم إيطالي رومانسي كوميدي يعتمد على بناء سردي غير تقليدي، قدمه عام 2022 أليسيو ماريا فيديريتشي، وجسّد بطولته ماتيلد جيولي وجوزيبي ماجيو وإيلينا باستوريلي وماتيو مارتاري، ليطرح تساؤلاً جوهرياً حول مفهوم “توأم الروح”.
تبدأ الحكاية حين يجتمع أربعة أصدقاء عازبين على مائدة عشاء، ومن هذه اللحظة ينفتح أمام المشاهد مساران متوازيان، حيث تتشكل علاقات مختلفة بينهم في كل سيناريو، ليتنقل السرد بين الاحتمالات المتعددة التي قد تنشأ من اللقاء ذاته.
الفيلم يستكشف الفارق بين أن تجد من يشبهك أو من يكملك، ويترك الجمهور في حيرة بين ما جرى فعلاً وما هو من وحي خيال الراوي، مستلهماً بذلك تقنيات سردية من أعمال شهيرة مثل Sliding Doors، ليقدم رؤية عصرية للقدر والحب.
7. الساعة المزدوجة – The Double Hour
قدّم المخرج جوزيبي كابوتوندي عام 2009 فيلماً من صنف الإثارة النفسية بعنوان الساعة المزدوجة، لعب بطولته فيليبو تيمي وكسينيا رابوبورت، ليكشف عن عالم تتقاطع فيه الرغبة بالنجاة مع شبح الماضي.
تبدأ القصة بلقاء يجمع بين غويدو، الشرطي السابق، وسونيا، النادلة السلوفينية، في جلسة تعارف سريعة تنشأ عنها علاقة مشحونة بالاعترافات والجروح القديمة، لكن هذه العلاقة سرعان ما تُصدم بمأساة حين يُقتل غويدو أثناء سطو مسلح على الفيلا التي يعمل حارساً لها.
بعد الحادث تجد سونيا نفسها محاصرة بالشكوك واللوم، فتبدأ خيوط حياتها الغامضة في التكشف، ومع توالي الأحداث يتبين أن قصتها أكبر من مجرد مأساة عاطفية، إذ يدخل المشاهد في متاهة من الخداع والهويات الملتبسة، حيث يصبح السؤال عن حقيقتها هو جوهر الرحلة.
نرشح: أجمل 30 كدراما رومانسية لتعيش معها أروع القصص
8. عذراً، ولكني أحبك – Sorry If I Love You
أخرج فيديريكو موتشيا عام 2008 فيلماً رومانسياً جريئاً حمل عنوان عذراً، ولكني أحبك، وقام ببطولته راؤول بوفا وميكيلا كواتروشيوكي وإجنازيو أوليفا، ليطرح قضية تتعلق بالحب وفارق السن.
القصة تتمحور حول أليساندرو، مدير تنفيذي ناجح في مجال الإعلانات، يدخل في أزمة عاطفية بعد أن تتركه حبيبته، وبينما يعيش مرارة الفقدان، يتعرف صدفة إلى نيكي، طالبة في السابعة عشرة من عمرها، فتنشأ بينهما علاقة عاطفية تتحدى التوقعات.
رغم الفجوة العمرية التي تفصل بينهما، يصبح وجود نيكي في حياة أليساندرو بمثابة بعث جديد يوقظ داخله الشغف والرغبة في الانطلاق، غير أن هذه العلاقة تواجه رفض المجتمع ونظرته القاسية، ليضع الفيلم شخصياته أمام اختبار للحب والحرية الشخصية.
9. كل الطرق تؤدي إلى روما – All Roads Lead to Rome
أخرجت إيلا ليمهاجن عام 2015 فيلماً كوميدياً رومانسياً جمع ممثلين من ثقافات مختلفة مثل سارة جيسيكا باركر وراؤول بوفا وروزي داي وباث فيغا وكلاوديا كاردينالي، ليجسد مثالاً على الإنتاج السينمائي العابر للحدود.
تدور القصة حول ماغي، صحفية أمريكية وأم عزباء، تسافر مع ابنتها المراهقة إلى قرية توسكانية استعادت فيها ذكريات شبابها، وهناك تلتقي صدفة بلوكا، حبيبها القديم، في حين تقرر ابنتها ووالدة لوكا، كارمن، سرقة سيارته والتوجه إلى روما لأسباب خاصة.
تنطلق ماغي ولوكا خلفهما، لتتحول المطاردة إلى رحلة لاكتشاف الذات وإحياء المشاعر القديمة، فيمزج الفيلم بين روح المغامرة والكوميديا الرومانسية، مؤكداً أن السينما، حين تتلاقى فيها الثقافات، قادرة على تقديم قصص عالمية قريبة من القلب.
نرشح: أفضل 10 أفلام مدرسية رومانسية كوميدية على الإطلاق
10. مارتن إيدن – Martin Eden
في عام 2019 قدم بييترو مارتشيللو معالجة سينمائية لرواية جاك لندن الشهيرة مارتن إيدن، من خلال فيلم إيطالي-فرنسي من بطولة لوكا مارينيللي وكارلو تشيكي وجيسيكا كريسسي وفينتشنزو نيمولاتو، مع نقل الأحداث إلى نابولي بعد الحرب.
يحكي الفيلم قصة بحار فقير وأمي يُدعى مارتن إيدن، ينقذ بالصدفة شاباً من الطبقة المتوسطة يدعى أرتورو، فيأخذه الأخير إلى منزله حيث يلتقي مارتن بشقيقته إيلينا، الفتاة التي تمثل له عالماً من الرقي والثقافة والجمال، ويقع في حبها.
يدفعه هذا الحب إلى السعي ليصبح كاتباً مرموقاً، آملاً أن يرتقي إلى طبقتها الاجتماعية، فيدخل في صراع قاسٍ بين طموحاته الشخصية والواقع الطبقي الذي يحد من مساره، لتصبح القصة انعكاساً لصراع الإنسان مع ذاته ومع المجتمع.
نرشح: أفضل 10 أفلام فرنسية رومانسية تفوح رقة وجمالا